تعويم الجنيه المصري 2016؟

تم تعويم الجنيه المصري، وسعر الدولار اليوم في البنوك وصل إلى 13 جنيه، بعد قرار تحرير سعر الصرف من البنك المركزي، وفي السوق السوداء بلغ سعره 13.75 جنيه. هذا يأتي بعد أن كان قد وصل إلى 18.25 جنيه في أسبوع واحد فقط، مما أثار استغراب الجميع من هذا الارتفاع السريع. ولكن الواقع الصعب الذي نعيشه الآن هو أن سعر الدولار (الرسمي) في عهد السيسي أصبح ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عهد مبارك، وضعفي ما كان عليه في عهد مرسي، وذلك بعد وعود متعددة بانخفاضه إلى ما دون العشرة جنيهات.

لنفهم القصة من خلال بعض النقاط المحددة:

أولًا، لم تدخل أي استثمارات جديدة إلى البلد، وكل ما وُعد به من استثمارات أجنبية لم يتحقق خلال السنتين الماضيتين. لم تدخل قروض جديدة منذ سنة، والقروض السابقة تم استهلاكها في أمور غير مجدية. الدولار الذي كان متوفرًا، تم استنزافه في صفقات تسليح غير ضرورية وفي مشاريع استهلكت كميات ضخمة من العملات الأجنبية فقط لرفع الروح المعنوية للشعب، كما صرح السيسي. نتيجة لذلك، انخفض الاحتياطي الدولاري للحكومة إلى أدنى مستوياته، وأصبحت السوق السوداء هي التي توفر الدولار للمستثمرين والتجار، مما أدى إلى اشتعال سعره.

ماذا فعلت الحكومة؟

في 22 أكتوبر الماضي، عُقد اجتماع عاجل بين السيسي ومحافظ البنك المركزي وعدد من الوزراء، وكان الجميع يتوقع إعلان تعويم الجنيه أو تخفيض سعره بما يتماشى مع شروط قرض البنك الدولي. لكن بعد الاجتماع، لم يحدث شيء، ولم تُتخذ أي قرارات، وظل سعر الدولار في البنوك 8.88 جنيه. وكأن الحكومة كانت تقول للناس "تعاملوا مع الارتفاع الجنوني للدولار والأسعار بأنفسكم". ومع ذلك، كثير من الناس لم يصدقوا أن الاجتماع انتهى دون قرارات سرية.

بعد ذلك، عُقد اجتماع آخر لمجلس جديد أنشأته الحكومة باسم "المجلس الأعلى للاستثمار"، برئاسة السيسي. خرج الاجتماع بعدة قرارات معلنة، من بينها دعم الاستثمار المصري والأجنبي من خلال تخفيض الضرائب وتقديم فرص أوسع، بالإضافة إلى دعم الجنيه المصري. ولكن المعلن كان مختلفًا عن الواقع.

ما ظهر لاحقًا هو أن هذه الاجتماعات كانت تمهيدًا لعدة إجراءات ساهمت في الوضع الذي شهدناه بالأمس، حيث ارتفع سعر الدولار في البنوك بشكل غير مسبوق. من بين هذه الإجراءات:

صرح رئيس الوزراء شريف إسماعيل أمام مجلس الشعب بأن سعر الدولار في البنوك سيكون قريبًا من سعره في السوق السوداء بسبب إصلاحات تمت بالفعل مع البنك المركزي. هذا التصريح أثار ارتباكًا في سوق العملة.

تبع ذلك قرار من البنك المركزي بوقف إيداع الدولار مجهول المصدر في البنوك المصرية، مما أجبر من يملك الدولار على إثبات مصدره الشرعي.

وفي خطوة مفاجئة، أصدر "اتحاد الغرف التجارية" تعليمات للمستوردين وكبار التجار بوقف الاستيراد المؤقت للسلع غير الأساسية لمدة 3 أشهر، والاكتفاء باستيراد السلع الأساسية فقط. هذا أدى إلى تراجع الطلب على الدولار في السوق السوداء، مما دفع تجار العملة إلى خفض سعره.

حملة إعلامية ضخمة انتشرت بالأمس تروج لانهيار الدولار، مع تصريحات من كبار مسؤولي المال والاقتصاد المصري. ومن أمثلة ذلك، اتصال رئيس البنك الأهلي بأحمد موسى، حيث صرح بأن الدولار بات يُباع في السوق السوداء بـ10 جنيهات، وهو تصريح غير دقيق.

تم إطلاق عدة هاشتاجات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الكتائب الإلكترونية، مثل "اصرفه قبل ما تلبسه"، بالإضافة إلى استهزاء البعض بسعر الدولار على الفيسبوك وتويتر دون التحقق من السعر الفعلي في محلات الصرافة.

في بداية الشهر، وهو وقت يتزامن مع تحويلات المصريين العاملين بالخارج لأسرهم بالدولار، وجد هؤلاء أن تجار الصرافة يشترون الدولار بالسعر الجديد المخفض بسبب قرار حظر الاستيراد.

وأخيرًا، جاءت الضربة الكبرى صباح اليوم، حيث تم تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه جزئيًا في البنوك. وبالتالي، من يملك الدولار سيجد أنه من الأفضل تحويله عبر البنوك حيث السعر أعلى من السوق السوداء، لكن المشكلة أنه لا يمكن سحب الدولار، ولا حتى شراؤه بسهولة. والأسعار تتغير باستمرار وفقًا للعرض والطلب.

الخلاصة:

كل هذه التحركات جاءت لإعطاء انطباع بأن الدولار انخفض من 18 إلى 13 جنيه في 6 ساعات، لكن الحقيقة التي ينبغي أن نتذكرها هي أن الدولار كان بـ7 جنيهات فقط في وقت سابق، وكان محافظ البنك المركزي قد وعد بأنه سيعود إلى 4 جنيهات.

بالتالي، يمكننا توقع ارتفاع جنوني في الأسعار نتيجة لتحرير سعر الصرف، خاصة أن 70% من المواد الغذائية يتم استيرادها، وستزيد أسعارها بنسبة 48%. وبدون استثمارات أجنبية، وصادرات حقيقية على الأرض، وتشغيل مشاريع قومية تجلب عملة صعبة، سيستمر الجنيه في التدهور بصورة أبشع من السابق، وتجارب زيمبابوي والسودان في التضخم تشهد على ذلك.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال