السر في مظاهرات اهالي النوبة 2016

ما حدث هو أن النوبيين اجتمعوا قبل عدة أيام في حافلات وعربات نقل، وجابوا أكثر من 44 قرية نوبية في حملة أطلقوا عليها "طرق الأبواب" لمنع بيع الأراضي النوبية في المزاد العلني، والتي تُعرف باللغة النوبية باسم "أرمنا فو رقنري نوبية".

تمكنوا من جمع عدد كبير من أهالي القرى وقطعوا بهم خط القطار الواصل بين القاهرة وأسوان عند مركز "دارو". كما قاموا بقطع طريق أبو سمبل الدولي والطريق أمام قرية "الكرور". أطلقت الشرطة النار عليهم، وأُصيب شابان نوبيان بالرصاص الحي.

بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت الأحداث على المستوى السياسي حيث قام محمد عزمي، رئيس الاتحاد النوبي، بدعم القضية مع عدد من أعضاء مجلس الشعب ومحافظ أسوان. وتم عقد اجتماع موسع لجميع شيوخ قبائل النوبة لبحث آلية مواجهة قرار الحكومة المصرية بطرح أراضيهم في قرعة مشروع المليون ونصف فدان.

خلفية عن مشروع المليون ونصف فدان:

في أوائل عام 2014، أعلن الرئيس السيسي عن مشروع كبير لاستصلاح الأراضي الزراعية تحت اسم "المليون ونصف فدان". الهدف من المشروع هو توسعة الرقعة الزراعية لزيادة المحاصيل وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء. تم إعداد خريطة كبيرة للأراضي المستهدفة التي شملت مناطق عدة في مصر، من بينها مناطق في النوبة بالصحراء الغربية.

المشكلة:

المشكلة بدأت عندما تفاجأ النوبيون بأن جزءًا كبيرًا من أراضيهم المأهولة بالسكان قد تم إدراجه في هذه الخريطة دون موافقتهم. هذا الوضع أثار تساؤلاتهم حول مصيرهم ومصير أراضيهم. ثم صدر أمر من السيسي لإخلاء التعديات على أراضي الدولة، خاصة عند مجاري السيول.

ولكن لم تتوقف المشكلة هنا. في البنود المنشورة للمشروع في جريدة الأهرام، ورد أن 20% فقط من الأراضي ستكون للمصريين، بينما سيتم تخصيص 80% للاستثمار العربي والأجنبي. وتحدث صاحب شركة "الريف المصري"، التي أوكلت إليها الدولة بيع الأراضي، عن مفهوم "السياحة الزراعية"، مما أثار مخاوف النوبيين من احتمال فتح الباب أمام المستثمرين الأجانب لاستغلال أراضيهم لفترة تصل إلى 30 عامًا، وهو ما قد يُعتبر نوعًا من السيطرة الأجنبية.

النوبيون، الذين يُعرفون بسلامهم وطيبتهم، قد عانوا من التهجير من قراهم عدة مرات عبر التاريخ. حدث ذلك في عام 1902 مع بناء الإنجليز لخزان أسوان، ثم في عامي 1912 و1933 مع تعلية الخزان، وأيضًا في عام 1962 مع بناء السد العالي في عهد جمال عبد الناصر. هذه المرة، لم يكن السبب التهجير نفسه، بل شعورهم بعدم الثقة في الدولة وخوفهم من بيع أراضيهم التاريخية لأي مستثمر.

رد فعل النوبيين:

النوبيون حاولوا بطرق سلمية التعامل مع الدولة، من خلال تقديم طلبات إحاطة لمجلس الشعب ومجلس الوزراء، وإرسال رسائل إلى الرئيس السيسي. لكن الرد الذي تلقوه كان أن الأولوية في التملك ستكون لأهالي النوبة. غير أن هذا الرد لم يُرضِ النوبيين، الذين تساءلوا: "كيف يمكن أن تُباع أراضينا لنا؟".

مشاريع النوبة السابقة:

في الماضي، فشلت العديد من المشاريع في النوبة بسبب عدم التنسيق مع الأهالي. على سبيل المثال، مشروع توشكى، الذي كان يهدف إلى توفير فرص عمل للشباب وتوسعة الرقعة الزراعية، لم يحقق أهدافه بسبب الصعوبات الكبيرة التي واجهها الشباب في الانتقال إلى تلك المناطق الصحراوية البعيدة.

مطالب النوبيين:

مع تولي السيسي الرئاسة، كان هناك أمل في أن يتم النظر في مطالب النوبيين. تم إدراج بند في الدستور الجديد ينص على أن أي مشاريع تُقام في أراضي النوبة يجب أن تكون بالتنسيق مع الأهالي، لتعويضهم عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له. ولكن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بدأت الحكومة في التفكير ببيع الأراضي للأجانب كمصدر للتمويل.

النوبيون ردوا على ذلك بتنظيم احتجاجات سلمية ورفع مطالبهم للحكومة. ومع ذلك، واجهوا اتهامات من بعض الأطراف بأنهم مدفوعون من قوى خارجية بسبب غنى منطقتهم بالذهب. لكن النوبيين تساءلوا: "إذا كان هذا صحيحًا، فلماذا يتم بيع الأراضي للعرب والأجانب بحق انتفاع يصل إلى 30 عامًا؟".

الخلاصة:

في ظل التحكم الصارم للدولة وفي وقت تُنفذ فيه خطط الإخلاء وبيع الأراضي تحت إشراف الجيش وبقرار جمهوري، خرج النوبيون ليقولوا "لا، أرضنا ليست للبيع". السؤال الآن يبقى: ماذا عن أولئك الذين يؤيدون بيع الأرض؟ وهل سيستمرون في دعم النظام بعد كل هذه الانتهاكات؟

كل التحية والتقدير لأهالي النوبة الطيبين الذين خرجوا للدفاع عن حقهم في أراضيهم التاريخية، في وقت يصمت فيه الكثيرون أو يدافعون عن قرارات تضر بمصلحة الوطن والشعب.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال