حرب غزة .. الهزيمة ليست بعدد القتلى

أنا حزين للغاية من التعليقات المتخاذلة بشأن حرب غزة، ومن الذين يزعمون أن إسرائيل انتصرت لأنها دمرت وقتلت وشرّدت، بينما هناك من يعيش بيننا ويرفع راية النصر الإسرائيلي أكثر من أكثر الصهاينة إخلاصًا، رغم أنه لا يوجد إسرائيلي واحد يشعر بالنصر كما يشعر به هؤلاء في أنفسهم.

يا رجل، أنا أعيش في أمريكا، وأكبر حرب شعر فيها الأمريكيون بالهزيمة كانت حرب فيتنام، تلك الحرب التي قتلت فيها أمريكا ثلاثة ملايين فيتنامي، منهم مليونان من المدنيين ومليون من العسكريين، الحرب التي أزالت فيها أمريكا مدنًا بأكملها من على وجه الأرض، ودمرتها بالكامل، وأنفقت عليها 168 مليار دولار في عام 1975، وهو مبلغ يعادل تريليون دولار بالقيمة السوقية الحالية للدولار.

سأفاجئك وأقول لك إن أمريكا كانت تعلن وقتها عن خسائر بسيطة لا تتعدى المئات في صفوف جنودها، تمامًا كما تفعل إسرائيل الآن، وعندما تغيرت الحكومة وجاءت حكومة جديدة، أعلنوا عن الإحصائيات الحقيقية، والتي كشفت عن مقتل 58 ألف جندي أمريكي هناك. تخيل الفرق الهائل! الهزيمة موثقة في كل كتب التاريخ بكل اللغات، جرّب أن تبحث عن "هزيمة حرب فيتنام"، لن تجد فيتناميًا واحدًا يقول إنهم هُزموا كما يقول بعض من بيننا اليوم.

أتدري ما هو السبب الرئيسي والوحيد لهزيمة الولايات المتحدة؟ الانسحاب. حتى في لعبة الشطرنج، المنسحب يعتبر مهزومًا حتى لو استولى على الوزير وجميع قطع خصمه، ببساطة لأن المنسحب يكون في وضع يعلم أن استمراره فيه سيكبّده خسائر أكبر. وهذا هو ما يحدث في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فالجنود الإسرائيليون لا يريدون الاستمرار لأنهم لا يجدون هدفًا واضحًا يصلون إليه، وعلى العكس، فإن أهل غزة ينضمون إلى المقاومة بسرعة وبكثرة. باختصار، الأوضاع خرجت عن سيطرة إسرائيل، وطبعًا قبل كل شيء، فالأمر كله بإرادة الله وتدبيره، لرفع البلاء عن الأطهار الأبرار الصابرين من أهل غزة الكرام.

المفاوضات دائمًا تكون بين منتصر ومهزوم، والمنسحب هو المهزوم مهما قال أو أعلن. ورغم ذلك، فإن إسرائيل نفسها تشعر بالهزيمة ولم تعلن عن أي نوع من النصر، لأنها لم تحقق أي هدف، فلا المحتجزون عادوا، ولا حماس انتهت أو استسلمت. فقل لي، لماذا تشعر أنت بنصرهم؟! يقول لك أحدهم: "كان يجب أن يموت نفس العدد!"، ولكن حتى في الحرب العالمية الثانية، عندما هُزم هتلر، كان قد قتل أضعاف أعدائه، فقد أباد 50 مليون أوروبي وروسي، ومع ذلك كان هو الخاسر، ببساطة لأنه انسحب من المواجهة ثم انتحر.

أما من يقولون: "لماذا ذهبوا هناك؟"، فهؤلاء لا أمل فيهم، ولو دخل عليهم أحد إلى بيوتهم، وطردهم منها، وأسكنهم في كوخ، ومنع عنهم الماء والكهرباء والخروج والدخول، سيقولون: "رضا، وكفاية أنه يدخل لنا رغيف خبز يابس من تحت عقب الباب نعيش به!"

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال