خبر طرد قادة حماس من قطر يبدو غريباً، لكنه للأسف، وفقاً للمعطيات الحالية والسابقة، صحيح بدرجة كبيرة.
قناة الجزيرة "القطرية" نشرت تقريراً يُشير إلى أن قطر توصلت إلى أن المكتب السياسي لحماس في الدوحة لم يعد يؤدي الغرض المطلوب منه.
رد وزارة الخارجية القطرية على الخبر كان بأن الانسحاب من المفاوضات والطرد "غير دقيق"، وهذا ليس تكذيباً للخبر، لأن الرد الأدق كان يجب أن يكون "غير صحيح".
أمس، أكدت قناة (سي إن إن) هذا الأمر أيضاً، وقالت إن قبل 10 أيام أبلغت قطر قادة حماس بأنهم لم يعودوا مرحباً بهم هناك، والسبب هو "طلب مباشر من الولايات المتحدة".
منذ شهر أبريل الماضي، تواجه قطر حملة شرسة داخل الكونغرس الأمريكي، يقودها النائب الديمقراطي (ستيني هوير)، بهدف الضغط للإفراج عن الرهائن.
والتهديد المباشر لقطر هو إعادة تقييم العلاقة معها كحليف للولايات المتحدة، وهذا أمر كبير جداً، لأن إعلان أمريكا عن توقف دولة معينة عن أن تكون حليفاً ورفع الحماية عنها هو بمثابة إشارة لتغيير النظام، أو تصبح عرضة للطامعين.
ردت قطر آنذاك عبر سفارتها في واشنطن بأن دورها يقتصر على الوساطة، ولا تمتلك أي أوراق ضغط سواء على حماس أو على إسرائيل.
منذ ذلك الوقت، قام قادة حماس بزيارات لعدة دول، لدراسة إمكانية نقل مكتبهم السياسي، وكانت الوجهات المحتملة هي: تركيا، الأردن، العراق، وسلطنة عمان.
وكانت العراق الأكثر ترحيباً بالفكرة، بسبب الدعم الإيراني الواسع، لكن فريق مشعل لم يكن متحمساً لهذا الخيار، بينما فريق السنوار كان مرحباً به.
لكن السؤال الأهم هنا: ما هو مسار المفاوضات؟ وهل سيؤثر طرد حماس على هذا المسار؟ وما هو مصير أهلنا في غزة؟
المفاوضات مرت بأربع مراحل في عام 2024: (مارس في القاهرة، مايو في الدوحة، يوليو في القاهرة والدوحة، وأغسطس في الدوحة).
الاختلاف الأساسي كان أن حماس تريد انسحاب إسرائيل من غزة تدريجياً، بينما إسرائيل لا تريد الانسحاب. أما بخصوص تبادل الرهائن والمعتقلين، فهناك بعض المرونة.
أما إعادة الإعمار، فهو يتم بسلاسة كل مرة، والأوضاع تعود إلى أفضل مما كانت عليه، لأن التبرعات من الدول والأثرياء تكون سخية.
إذن ما هي العقبة في هذا الموضوع؟ العقبة الأولى والأكبر هي (نتنياهو)، حيث أن حرب غزة تُعتبر ورقة مهمة له، ويمكن أن يضحي بأي شيء أو أي شخص حتى تستمر الأوضاع في التوتر.
إذا هدأت الأمور، فقد يُحاكم (نتنياهو) ويخسر منصبه، كما حدث مع رئيس الوزراء الأسبق (إيهود أولمرت) الذي سُجن رغم كونه بطلاً في الحرب.
النقطة الثانية وهي مهمة أيضاً، تتعلق بالهيمنة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية، فبعد إعلان الرئيس الجديد، تكون الإدارة ضعيفة لمدة 3 أشهر، وهي فترة انتقالية.
في هذه الفترة، تتبع كل الدول الإدارة الأمريكية الحالية في الظاهر، لكنها تنتظر السياسات والقرارات الجديدة للإدارة القادمة.
إذن ما هي القراءة السياسية للإدارة القادمة؟ ترامب ليس رجل حرب، بل هو رجل أعمال ناجح جداً، وحساباته تعتمد على الربح والخسارة المالية.
الاستمرار في الحرب واستنزاف الاقتصاد الأمريكي في المساعدات احتمال ضعيف، فهو بارع في عقد الصفقات.
من يقرأ كتابه الشهير "فن الصفقة" سيدرك أنه سيرضي (نتنياهو) بضمان وضعه، لكنه لن يستمر في الحرب. ربما يقوم بضربة كبيرة في غزة أو يتجنبها تماماً.
لكن الخروج من غزة وإدارة القطاع سيكون محل نقاش واسع ومفاوضات، خاصةً أنه لا يوجد بديل قوي لحماس.
إذا تم طرد حماس والسعي لتفكيكها أو فقدان الغطاء الدبلوماسي، فالبديل سيكون الاحتلال المباشر، مع إقامة مستوطنات في مختلف أنحاء غزة، وفصل بعض المناطق عن الأخرى.
لكن في النهاية، الجميع يدعو بأن يرفع الله الكرب عن أهلنا في غزة، وأن يعودوا لحياة كريمة بعيداً عن القصف والدمار والحصار وانتظار المساعدات.