ازمة حلب 2016 في سطور

تعتبر مدينة حلب أكبر المدن السورية بمساحة تبلغ 190 كم²، وتقع في الشمال على الحدود التركية، مقارنة بمساحة 105 كم² فقط للعاصمة دمشق التي تقع في الجنوب على الحدود اللبنانية.

تُعد حلب العاصمة التجارية لسوريا، حيث كان عدد سكانها قبل الحرب السورية هو الأكبر بين جميع مدن سوريا، إذ بلغ 5.1 مليون نسمة، مقارنة بعدد سكان العاصمة دمشق البالغ 1.9 مليون نسمة.

حلب تعتبر من أقدم مدن التاريخ الإنساني، وتوجد تقارير من بعض مؤسسات التاريخ الطبيعي العالمية تشير إلى أن حضارات قديمة ازدهرت في حلب منذ 5000 سنة قبل الميلاد.

حلب من أكثر المدن العربية تنوعًا عرقيًا (عرب، شركس، أتراك، أكراد، أرمن.. إلخ)، ويُعتبر الجمال السوري الفائق واضحًا في وجوه الحلبيين بشكل خاص.

الحرب في حلب:

الحرب في حلب وُصفت من قِبل العديد من الجهات الإعلامية العالمية بمصطلح "أم المعارك السورية" و"ستالينغراد سوريا" نظرًا لضخامة المجهود الحربي فيها.

حجم الخسائر الكارثي في حلب من الصعب جدًا حصره لعدم وجود جهات محايدة. لكن يكفي أن نعلم أن عدد القتلى في حلب وحدها تجاوز 31 ألف شخص، وانخفض التعداد السكاني من 5 ملايين إلى 3 ملايين، مع نزوح أكثر من 400 ألف شخص من منازلهم حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأكثر من 2 مليون نازح حسب تقديرات هيئات الإغاثة.

مبدئيًا، تعتبر حلب ودمشق آخر المدن السورية التي شاركت في الثورة السورية عام 2011. بدأت في حلب بمظاهرات سلمية عفوية في عدة أحياء تطالب برفع حالة الطوارئ في البلاد، والقضاء على التعذيب في السجون، وإنهاء القبضة الأمنية السافرة على الأهالي، حتى تبناها الطلاب في جامعة حلب مما أدى إلى إغلاقها بواسطة النظام السوري.

زروة أحداث الثورة في حلب - قبل أي بدايات للأنشطة الحربية - حدثت بعد نشر نظام بشار الأسد والعشائر المتحالفة معه لعدد كبير من قوات الشبيحة في أنحاء المدينة لدعم الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين (بعض التقديرات تشير إلى وجود 30 ألف شبيح).

"الشبيحة" هو مصطلح مصري يعني "البلطجية". وبسبب انتشار مقاطع فيديو تُظهر بشاعة تعذيبهم للمتظاهرين وفرض سيطرتهم بالهمجية، واستخدامهم ألفاظًا شركية بعبادة بشار نفسه كرب وإله لهم، وأخيرًا القتل العشوائي للمواطنين وسحل جثثهم في الشوارع، انفجرت الثورة من تظاهرات إلى اعتداءات ثم إلى حرب مسموعة ومرئية.

أكثر من 50% من سكان حلب كانوا من كبار تجار سوريا، وكانوا من أشد الداعمين لنظام بشار بسبب المصالح المشتركة. لكن بعد المعاملة غير الإنسانية من الأمن وقوات الشبيحة، انضم 48 من كبار رجال الأعمال في المدينة إلى الثوار، ودعموهم بالمال اللازم لشراء السلاح حسب شبكة CBS News.

بداية العمل المسلح:

أول نشاط مسلح للثوار كان بتشكيل جيش "لواء التوحيد" في 18 يوليو 2012 من بعض قادة الجيش السوري المنشقين عن بشار، أبرزهم اللواء عبد القادر الصالح. انضم له أكثر من 6000 مقاتل من الأهالي المتطوعين، وتم إنشاء 29 كتيبة تحت قيادة هذا اللواء.

كان الهدف الأول للواء التوحيد هو طرد قوات النظام وشبيحتهم وتأمين حماية عسكرية ومدنية لسكان حلب. وبسبب الضغط الثوري والحربي من المدن السورية الأخرى على الجيش السوري، وبسبب بُعد المسافة بين العاصمة وحلب، تمت سيطرة لواء التوحيد على 70% من المدينة، خصوصًا الشرق والوسط والجنوب.

رغم الرفض المبدئي لانضمام لواء التوحيد وبقية ثوار حلب لتنسيقية الجيش الحر والمؤسسات المتحدثة باسمه، إلا أنهم انضموا أخيرًا لقيادة الجيش الحر بعد ضرب بشار لأماكن قيادتهم وهدم أكثر من مبنى أبرزهم الجامع الأموي بحلب بالهليكوبتر والمدفعية. وكانت الغلطة أنهم قاموا بالتنسيق مع بعض ألوية "جبهة النصرة" بجنوب شرق المدينة، والتي كانت تابعة للقاعدة وقتها.

الجهات المتصارعة في حلب:

في نهاية 2012، كانت حلب مسرحًا للصراع بين عدة جهات:

  • القوات الكردية فرضت سيطرتها على أقصى الشمال.
  • القوات التركمانية بالشمال الشرقي.
  • قوات الثورة السورية بالشرق والوسط.
  • قوات جبهة النصرة بالجنوب الشرقي.
  • الجنوب الغربي لجيش حزب الله.
  • الشرق بالكامل للجيش السوري بدعم من حزب الله وبعض القادة الإيرانيين والروس.

كانت معظم الفصائل متصارعة على أماكن النفوذ والسيطرة باستثناء الذين بينهم تحالف ودفاع مشترك. هذا بالطبع أجهد جميع الفصائل وكان له تأثير مدمر على قلب المدينة نفسها من انقطاع خدمات وتدمير البنية التحتية ثم تدمير المنازل. وأخيرًا، أعلنت اليونيسكو تدمير "المدينة القديمة لحلب" التي كانت مُصنفة ضمن قائمة كبرى مدن التراث العالمي.

دخلت أنواع كثيرة من الأسلحة الثقيلة في أيدي جميع الأطراف تقريبًا، وحتى الآن مصادر توريد الأسلحة غير معلن عنها. لكن المعلومة المؤكدة هي الاستيلاء على المناطق العسكرية النظامية في سوريا والعراق المجاورة. وتمت بعدها عمليات توريد أسلحة مضادة للدبابات والطائرات من الدول المجاورة بدعم مالي دولي.

أُبرمت أكثر من هدنة بين القوات المتصارعة، وأكثرها كانت بين الجيش الحر وجيش النظام السوري. وكان الهدف منها هو إجلاء السكان بشكل آمن، لكن للأسف كانت دائمًا تُخترق من قبل النظام السوري ويتم قصف المباني المشكوك في احتوائها للمقاتلين.

دخول روسيا في الحرب:

في بداية 2016، دخلت روسيا بطيرانها لقصف أماكن تواجد القوات المعارضة بالتنسيق مع قوات النظام، وذلك بحجة عالمية كاذبة وهي مكافحة إرهاب داعش. وفعليًا، وطبقًا لأدنى الإحصائيات والخرائط، داعش لم تدخل حلب نهائيًا حتى الآن، لأن أولاً: المدينة مشبعة بالصراعات، وثانيًا: داعش كانت قد بسطت نفوذها في الشرق على مساحة تُعتبر كدولة أكبر من كامل سوريا.

أسباب بوتين لدخول الحرب كانت عديدة، أبرزها حماية قواعده العسكرية في سوريا من أيام الاتحاد السوفيتي، ودعم مصالحه الاقتصادية والتجارية مع النظام السوري. والسبب الأكبر هو صرف نظر شعبه عن الأزمات الاقتصادية في روسيا وحصارها الدولي. وسبب بوتين المعلن هو أكذوبة مكافحة الإرهاب.

بعد اختراق المجال الجوي التركي وإسقاط الطائرات الروسية بأمر مباشر من أردوغان واعتذاره بعدها، مد بوتين نفوذه المطلق في الحرب السورية. وقام بحملة عسكرية لها صبغة شعبية في روسيا من رجال الدين والسياسة، وأوهموا شعبهم بأن الحرب في سوريا حرب على الكفار. وتم فتح ميزانية روسية لإنفاق مئات الملايين من الدولارات في القصف.

التكتيكات الروسية في حلب:

كان الهدف التكتيكي الأول لدخول بوتين هو الخروج الكامل للمسلحين من حلب. لكن بعد صمودهم لشهور عام 2016 بالكامل، وبرغم شبه انقطاع كامل للخدمات في أحياء المعارضة، تطور القصف الروسي من ضرب أماكن تمركز المعارضة إلى ضرب مباني الخدمات لأهالي حلب بالكامل (مستشفيات، أسواق، مجمعات تجارية، محطات مياه... إلخ)، بهدف شل حركة المعارضة.

الضحايا والخسائر بعد الحملة الروسية تعتبر أضعاف ما كانت عليه قبل التدخل الروسي. تم استخدام غالبية القنابل والمتفجرات المحرمة دوليًا حسب جميع التقارير الدولية، وأهمها تقارير الأمم المتحدة. وعدد القتلى من المدنيين يُعتبر الأكبر في آخر 10 سنوات في جميع الحروب والنزاعات المسلحة. هذا غير التشوهات للأطفال وقضايا التهجير واللجوء.

المؤتمرات الدولية والحملة الإعلامية:

انعقدت عدة مؤتمرات دولية لحل الأزمة في سوريا وخاصة في حلب بعد دخول روسيا، لكن حق الفيتو كان دائمًا سيد الموقف، وكان بوتين يرفض أي حلول لتسوية الأزمة مثل إقامة حكومة مشتركة بين النظام والمعارضين. وللأسف، بعض الدول العربية والإسلامية وقفت في صفه، وعلى رأسها مصر.

الحملة الإعلامية العالمية والتغطية الصحفية على حلب كانت الأبرز منذ حرب العراق وأفغانستان. لكن للأسف، انتشرت العديد من الصور والفيديوهات المفبركة التي نُسبت إلى حلب، وهي في الأساس تعود لحرب غزة 2008. لكن هذا لا يقلل من فظائع ما يحدث في حلب، بالرغم من أن هذا التصرف قلل من حجم الأزمة في أعين الكثير من المنصفين بسبب خلط الأكاذيب بالحقائق، مما جعل الفترة الأخيرة فترة فتور في التغطية رغم الفظائع اليومية ضد أهالي حلب.

الدور العربي والإسلامي:

الدور الحربي للدول العربية والإسلامية، خاصة أكبرها مثل تركيا والسعودية والإمارات، لا يتعدى الدعم اللوجستي، سواء بالإغاثات للأهالي أو بالدعم المالي الذي يمكن أن يتوجه للمجهود الحربي. أما عمليات تزويد الأسلحة، فصفقاتها غير معلنة وكلها تكهنات غير موثقة كتابيًا.

الدور العالمي من الدول الكبرى لم يتعدَّ بعض الاجتماعات والمؤتمرات، ودخولهم سوريا لضرب التنظيمات المصنفة إرهابية كداعش والنصرة وأخيرًا جيش الفتح.

الوضع الحالي في حلب:

تم الإعلان من قبل النظام السوري عن السيطرة على معظم مناطق حلب، وتُنذر المؤسسات الإغاثية العالمية بأزمة مفجعة بسبب حركة النزوح الجماعية للأهالي من المدينة - بدون مأوى وفي عز الصقيع بدرجات حرارة تحت الصفر - وفي مكان ضيق تم تحديده من قبل قوات بشار الأسد. هذا بالإضافة إلى الأهالي الذين تم القبض عليهم، ووكالات أخبار عالمية تقول إنه تم إعدامهم ميدانيًا، وأبرزهم مراسلون من رويترز وسكاي نيوز.

الخلاصة:

السؤال الذي يتردد على ألسنة الجميع هو "من معه الحق؟".

الإجابة التي لا يختلف عليها أحد هي أن الشعب دائمًا هو الذي معه الحق في اختيار من يحكمه، لأنه مصدر كل السلطات. مجرد إجباره على حكم لا يريده هو ظلم وقهر له. أما الصورة الواضحة التي لا ينكرها إلا جاحد أو منافق أو سفيه، هي أن (بشار وبوتين) سفاحان بكل المقاييس والمعايير الدولية والإنسانية، وارتكبا جرائم حرب فادحة ضد مدنيين عزل، وأخذوهم بذنب المسلحين أيًا كانت انتماءاتهم.

بل قتلوهم جميعًا بأبشع طرق القتل، بداية بالحصار والتجويع، مرورًا بضرب بنيتهم التحتية وكامل خدماتهم، وأبسطها الغذائية والطبية، وصولًا لقصفهم في بيوتهم هم وأسرهم وأطفالهم بأبشع الأسلحة. وتقارير المؤسسات الاستراتيجية تقول إنها كانت استعراضًا ضخمًا لجودة الأسلحة الروسية في كل فنون الإبادة، وتسويقًا حربيًا مباشرًا من بوتين كدعوة للثقة الدولية في السلاح الروسي وشرائه.

الختام:

قضية حلب هي قضية شعب أحب أن يعيش بكرامة وعزة، فتكاتفت عليه حثالة الأمم من كل اتجاه، إما بالسلاح أو بالشماتة والحقارة والخسة. ولا عزاء للصمت العالمي في نجدة الدماء والأرواح البريئة الطاهرة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال