التجربة الاقتصادية الامريكية في عهد كلينتون حتى 2000

من أكثر الفترات التي شهدت زيادة في الديون على الولايات المتحدة وتراجعًا في اقتصادها كانت خلال فترة حكم جورج بوش الأب، والد جورج بوش الابن. إلا أن العلاج لهذه الفترة جاء بشكل أشبه بالسحر على يد بيل كلينتون، والذي أطلق عليه فيما بعد "العصر الذهبي الأمريكي".

عندما فاز جورج بوش الأب بالرئاسة، بدا وكأنه لم يصدق نفسه، فبدأ بتجربة سياسات اقتصادية يمينًا ويسارًا، وكانت معظمها فاشلة، مما أدى إلى تراكم ديون على أمريكا بقيمة 2.2 تريليون دولار!

شعبيته بدأت في التراجع، ووصلت نسبة التأييد له في استطلاعات الرأي الأمريكية إلى 22% فقط. شعر بوش الأب بالضيق وبدأ يفكر في حلول جذرية لإنقاذ شعبيته والاقتصاد الأمريكي، فوجد الحل في شن حرب عالمية ليزيد من نفوذه ويحاول سداد الديون.

تسريبات وتداعيات حرب الخليج:

تسريبات لوثائق سرية أشارت إلى أن جورج بوش الأب أرسل السفيرة الأمريكية إيريل جلاسبي إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وألمحت له بأن الكويت تتلاعب باقتصاد العراق. بعد ذلك، اجتاح صدام حسين الكويت، وهو ما دفع الكويت للاستنجاد بأمريكا، وعرضت تمويلًا سخيًا لدعمها. كما أن الخوف الأوروبي من هجوم محتمل لصدام على باقي دول الخليج زاد من حماس الدول لدعم بوش.

شكل بوش الأب تحالفًا عسكريًا مع 34 دولة لمساعدة الكويت، وكانت تكلفة الحرب على أمريكا تقدر بـ 3 تريليونات دولار على المدى الطويل، وفقًا لولندا بيلمس، محاضرة في جامعة هارفارد. لكن الكويت لم تتمكن من سداد تكاليف الحرب بسبب الخسائر الهائلة التي لحقت بها، بما في ذلك حرق الآلاف من آبار النفط.

تدهور الاقتصاد الأمريكي:

بعد الحرب، تضخم الدين الأمريكي ووصل إلى أعلى مستوياته، مما أضر بالتجارة والصناعة والناتج المحلي الإجمالي للفرد، ووصل إلى أدنى مستوى له منذ نصف قرن. نتيجة لذلك، خسر بوش الأب في أول انتخابات رئاسية تلت هذه الأحداث، وسط غضب شعبي واسع ودعوات لمحاكمته.

العصر الذهبي الأمريكي:

ثم جاء بيل كلينتون، الذي أطلق عليه المؤرخون "العصر الذهبي الأمريكي" (1992-2000). كلينتون ركز في حملته الانتخابية على الاقتصاد، وبدأ فور توليه الرئاسة بإصلاح الاقتصاد الأمريكي المتدهور.

سياسات كلينتون الاقتصادية:

إصلاح التعليم: أطلق كلينتون معركة شرسة مع نقابات المعلمين لإقرار اختبارات الكفاءة على المعلمين، مما أدى إلى تحسين جودة التعليم وزيادة الوعي العام.

السياسات الاقتصادية: كلينتون عيّن فريقًا اقتصاديًا محترفًا، ونجح في تخفيض سعر الفائدة على القروض لصغار المستثمرين، وتشجيع الاستثمار. ألغى التعريفة الجمركية على غالبية السلع، ودعم الصناعات الابتكارية.

الإصلاحات الاجتماعية: زاد كلينتون الضرائب على الأغنياء وخفضها على الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، مما أفاد 15 مليون أسرة. كما أدخل إصلاحات في الرعاية الصحية للأطفال وزيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات.

نتائج إصلاحات كلينتون:

بفضل سياساته، انخفضت نسبة الفقر وقل عدد العاطلين عن العمل، وانتعشت البورصة الأمريكية، وتم سداد الديون التي تراكمت في عهد بوش الأب، وتحقيق فائض تجاري بقيمة 559 مليار دولار. أصبحت أمريكا في عهد كلينتون قوة عالمية متقدمة ومؤشرًا للحداثة والعولمة.

ما بعد كلينتون:

رغم نجاحات كلينتون، انتهت فترته ببعض الفضائح الشخصية، وجاء بعده جورج بوش الابن الذي تورط في حروب جديدة مثل حرب أفغانستان وحرب العراق، مما أعاد أمريكا إلى دوامة الديون. وبعده جاء أوباما بسياسات هادئة ساهمت في تراجع الهيمنة الأمريكية العالمية. ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة قوة عظمى ورأس الحربة على الساحة الدولية.

الدروس المستفادة:

التجربة الأمريكية، رغم سلبياتها، لا تزال واحدة من التجارب الأكثر إلهامًا للدول التي تسعى لدراسة النماذج الناجحة في التنمية والتقدم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال