المعجزة الاقتصادية البرازيلية 2003

تجربة البرازيل الاقتصادية تُعَد واحدة من أنجح التجارب في العصر الحديث، حيث أصبحت البرازيل سابع أغنى دولة في العالم حالياً، ونفوذها السياسي والدولي وصل إلى أعلى المستويات. ورغم الأزمات التي قد تواجهها الآن، فمن الصعب أن تعود إلى ما كانت عليه في الماضي.

تجربة البرازيل قد تكون الأقرب لوضع مصر، وتنفيذها قد يكون السبيل لإنقاذ مصر من أزماتها الاقتصادية الحالية. تاريخ البرازيل في الحكم يشبه إلى حد كبير ما مرت به مصر، مع اختلاف بسيط في الفترة المدنية للدولة.

مراحل الحكم في البرازيل:

من 1930 إلى 1975: كانت البرازيل تحت حكم عسكري مطلق، وكانت الطبقة الغنية من رجال الأعمال تدعم هذا الحكم، بينما كان الشعب يعاني من الفقر. ومع تصاعد الاحتجاجات والثورات، واجهتها السلطة بالقمع، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة وجعل الشعب البرازيلي واحداً من أكثر الشعوب إجراماً في العالم.

من 1975 إلى 1985: جاء حكم الجنرالات المدنيين، وهو فترة اتسمت بالفشل الاقتصادي والانهيار المالي. ارتفع الدين العام بنسبة 900%، وأصبحت الدولة غير قادرة حتى على الحصول على قروض من البنك الدولي.

من 1985 إلى 2003: جاءت فترة الحكم المدني الديمقراطي، حيث حاول الحكام المدنيون إنقاذ الدولة، لكن الفقر المدقع والعملة المنهارة حالا دون تحقيق نجاح كبير.

التحول الكبير:

في عام 2003، تولى "لولا دا سيلفا" الحكم. دا سيلفا كان رجلاً فقيراً نشأ في مجتمع مليء بالجريمة، وعانى من الظلم والبطش العسكري. لذلك كان لديه فهم عميق لما يعانيه الشعب.

خطوات دا سيلفا الناجحة:

التوازن بين الطبقات: بدأ دا سيلفا بطمأنة جميع فئات الشعب، واقترب من الفقراء، وفي الوقت نفسه، قدم تسهيلات لرجال الأعمال، مدركاً أن انهيار الشركات الكبرى يعني انهيار الاقتصاد بأكمله.

التقشف: قام بوضع خطة تقشفية، حيث قلص الإنفاق الحكومي ودعم السلع، مع توجيه الأموال نحو تطوير الاقتصاد. هذه السياسة كانت تهدف إلى توفير أموال يمكن استخدامها لتحسين الوضع المالي للدولة.

الإعانات الاجتماعية: أنشأ برنامجًا للدعم المالي للأسر الفقيرة بدلاً من دعم السلع بشكل عام. هذا البرنامج استفاد منه 11 مليون أسرة، أي حوالي 64 مليون شخص، بشرط التزامهم بتعليم أبنائهم والحفاظ على صحتهم.

رفع الضرائب: زادت الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى، مما ساعد في تمويل برنامج الإعانات ودعم الفقراء.

تشجيع القروض: قدم دا سيلفا تسهيلات كبيرة للحصول على قروض لإنشاء مشروعات، مما ساعد في خلق فرص عمل وتحفيز الاقتصاد. الفائدة على القروض كانت منخفضة جدًا، مما جعل الاستثمار في البرازيل مغريًا.

نتائج هذه السياسات:

عودة المهاجرين: عاد حوالي 2 مليون برازيلي من الخارج، وجاء 1.5 مليون أجنبي للاستثمار في البرازيل.

الاستثمارات: استقطبت البرازيل استثمارات ضخمة، وصلت إلى 200 مليار دولار في عام 2011.

الزراعة والمواد الخام: شجع دا سيلفا الإنتاج الزراعي واستخراج المواد الخام، مما ساعد في تحقيق فائض في ميزان المدفوعات.

الصناعات: بدأت البرازيل في تطوير صناعاتها تدريجياً، بدءًا من الصناعات الأولية وصولاً إلى الصناعات المتقدمة مثل صناعة السيارات والطائرات.

العملة: أدخل دا سيلفا عملة جديدة وهي "الريال البرازيلي"، التي أصبحت العملة الوطنية القوية.

السياحة: استغلت البرازيل شهرتها في كرة القدم ورقصة السامبا لتطوير "سياحة المهرجانات"، مما جذب 5 ملايين سائح سنويًا.

الخلاصة:

البرازيل أصبحت قوة اقتصادية عالمية. انضمت إلى تحالفات اقتصادية كبرى مثل "الميركوسور" و"البريكس". ورغم الأزمات، فإن الاقتصاد البرازيلي تمكن من الاستقرار والنمو، حتى أن البرازيل أصبحت دولة دائنة للبنك الدولي.

الدرس لمصر:

مصر يمكنها أن تطبق تجربة البرازيل بنجاح، بشرط أن يتكاتف الشعب مع حكومته ورئيسه. لتحقيق ذلك، يجب أن يشعر الجميع بالعدالة والمساواة، وأن يتم احتواء جميع فئات الشعب، كما فعل دا سيلفا في البرازيل. الشعب المصري بحاجة إلى رؤية الصدق في القيادة والجدية في الإصلاحات الاقتصادية لتحقيق مستقبل أفضل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال